عمر خابر المدير العام للمحافظة الوطنية للساحل في حوار مع «المساء»:
في هذا الحوار يؤكد عمر خابر المدير العام للمحافظة الوطنية للساحل، أن الحكومة الجزائرية تعمل كثيرا من أجل تطهير الساحل الجزائري من النفايات والقاذورات التي تلوثه وتهيئه ليصبح مدمجا في معادلة السياحة والتنمية المستديمة، وخلق فضاءات جديدة لضمان سعادة المواطن ورفاهية المجتمع.
❊ في البداية، هل يمكنكم تقديم حصيلة عامة حول العمل المنجز من طرف المحافظة الوطنية للساحل خلال عشر سنوات المنصرمة؟
❊❊ قبل التطرق لأهم المنجزات التي حققتها المحافظة الوطنية للساحل، أود في البداية التذكير بأن هذه الهيئة تم إنشاؤها بموجب المادة 24 من قانون الساحل الصادر عام 2002، وبناء على نتائج التقرير العام والأول حول البيئة في الجزائر الذي قامت بإعداده وزارة البيئة وتهيئة الإقليم عام 2000، والذي نتج عنه إصدار البرنامج الوطني للبيئة والتنمية المستديمة.
وقد خلص هذا التقرير الذي شارك فيه نخبة من خبراء البيئة في الجزائر، إلى أن أهم المشاكل التي تعاني منها البيئة في بلادنا هي في المقام الأول، مشكل النفايات المنزلية والصناعية، ثم الساحلالجزائري ومشاكله البيئية المتعددة، وعليه فإن إنشاء المحافظة الوطنية للساحل وقانون الساحل كان من بين الآليات التي وضعتها الحكومة الجزائرية للتكفل بالمشاكل التي تعاني منها البيئة الساحلية.
❊ ومتى كانت الانطلاقة الفعلية للمحافظة؟
❊❊ بعد صدور القانون العضوي الخاص بالمحافظة عام 2004 بدأنا في العمل الميداني، من خلال الوضع التدريجي لهياكلها الإدارية وتوظيف الإطارات وتوضيح الرؤى وأيضا إعداد المخططات.
أما الخطوة الثانية فتمثلت في تكوين الإطارات ودعم قدراتهم ومؤهلاتهم العلمية والتقنية بالتعاون مع المحافظة الوطنية الفرنسية للساحل. وقد استغرق منا كل ذلك حوالي ثلاث سنوات، وعليه يمكن القول بأن الانطلاقة الفعلية لهيئتنا كانت عام 2007.
❊ كيف كان ذلك؟
❊❊ كان ذلك من خلال إطلاق مشروعين نموذجين للحفاظ على المناطق الساحلية ذات البعد الإيكولوجي الثمين، ويتعلق الأمر بنتوءات شاطئ كوالي بتيبازة، وهو المشروع الذي كنا نهدف من خلاله إلى تصنيفه كمحمية بحرية وطنية. وعن قريب سيتم تحقيق ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التصنيف كمحمية بحرية لا يعني منع الصيد منعا باتا، وإنما يعني استغلال ثروات هذه المحمية استغلالا عقلانيا، وبالتعاون مع جميع الأطراف المعنيين كالصيادين، حراس السواحل، جمعيات المجتمع المدني وحتى المواطنين.
أما المشروع الثاني فيتعلق بالتسيير المدمج لجزر حبيباس بولاية وهران، وهو الموقع الذي تم تصنيفه عام 2005 كمحمية بحرية ذات بعد إيكولوجي متوسطي. وقد عملنا على تثمين موارده البيولوجية وكسب مهارات تقنية، وذلك دائما بالتعاون مع الشريك الفرنسي.
وفي سياق حديثنا عن المحميات البحرية أريد التأكيد هنا على أن تصنيف المحميات يتطلب جهودا كبيرة وتوفير شروط كثيرة؛ فالأمر ليس سهلا كما يعتقد البعض. ونحن في هذا المجال نسير بخطى ثابتة من أجل تصنيف أكبر عدد ممكن من المواقع. وفي هذا الصدد تمكنا عام 2016 من تصنيف ثلاثة مواقع مهمة بقرار ولائي، ويتعلق الأمر بواد مزافران، شاطئ وغابة زموري والمجمع الإيكولوجي للرغاية، الذي يتشكل من بحيرة الرغاية، غابة القادوس وشاطئ القادوس بما في ذلك جزيرة «أقلي» المعروفة لدى العامة بجزيرة طنجة أو بونطاح.
❊ وماذا عن الواجهات البحرية للحظائر الطبيعية كحظيرة تازا بجيجل، حظيرة قورايا ببجاية وحظيرة القالة؟
❊❊ تسيير هذه الواجهات البحرية من صلاحيات مديرية الغابات؛ لأنها جاءت كامتداد طبيعي للحظائر الطبيعية وتصنيفها كمحميات بحرية يسير في الطريق السليم، وعن قريب سيتم إعلان هذه المناطق كمحميات بحرية.
❊ لماذا نجد أغلب المحميات البحرية على الشواطئ؟ هل يمكن إنشاء محميات في عمق المياه؟
❊❊ نعم ذلك ممكن جدا إذا كانت هذه المناطق غنية وثرية بالتنوع البيولوجي، لكن الأولوية تكون للمناطق التي يقل عمقها عن 40 مترا، والتي لا نجدها إلا في السواحل، وهي المناطق التي نجد بها نباتات «بوسيدونيا أوسيانا»، وهي النباتات التي نطلق عليها تسمية رئة البحر؛ لأنها تقوم بتزويد أعماق البحر بالأوكسيجين، فبدونها تنعدم الحياة البحرية.
ونبات البوسيدونيا أوسيانا من النباتات المستوطنة بمياه البحر الأبيض المتوسط، وهي تفرز حوالي 14 لترا من الأوكسيحين في المتر مربع الواحد، ولذلك فهي نبتة ثمينة جدا، والحفاظ عليها يُعتبر رهانا كبيرا للحفاظ على الحياة البحرية.
❊ حديثنا كان عن أهم المنجزات؛ فماذا عن الأهداف التي تطمحون إلى تحقيقها مستقبلا؟
❊❊ هدفنا الرئيس الذي نسعى إلى تحقيقه في القريب العاجل هو القضاء على جميع النقاط السوداء المتعلقة بمصبات المياه المستعملة في الساحل. لقد قطعنا أشواطا كبيرة في هذا المجال بفضل محطات التصفية التي أنشأتها وزارة الموارد المائية، والعمل جار على دعم قدرات التصفية من خلال إنشاء المزيد من المحطات. وأعتقد أنه يمكننا تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2020.
❊ وماذا عن النفايات والمياه التي تفرزها الوحدات الصناعية المترامية خاصة على ضفاف الوديان؟
❊❊ البند 15 من قانون الساحل ينص على منع تشييد وحدات صناعية جديدة على طول الساحل. أما بالنسبة للوحدات القديمة فقد ألزمنا العديد من الصناعيين بالتكيف مع قانون الساحل؛ من خلال إنشاء وحدات تصفية داخل مجمعاتهم الصناعية. وأؤكد لكم أن أغلب الوحدات الصناعية قامت باقتناء محطات تصفية. ونحن بالتعاون مع أعوان وزارة البيئة، نراقب العملية عن قرب. أما الذين تخلفوا عن ذلك فقد قدمنا لهم إعذارات. وفي حالة عدم التزامهم بالقوانين سيتعرضون لعقوبات صارمة مع إرغامهم على نقل وحداتهم الصناعية إلى مكان آخر.
❊ خلال زيارتنا إلى محمية الرغاية وقفنا على التلوث الذي يعرفه واد الرغاية والذي لازال بشكل غريب يأخذ اللون الأحمر القاتم؟
❊❊ إشكالية واد الرغاية الذي ينبثق من بحيرة الرغاية والذي ينتهي في شاطئ القادوس، تتمثل في عدم قدرة محطة التصفية بالرغاية، على معالجة المياه المستعملة في الصرف الصحي والنفايات الصناعية، على حد سواء. ونحن نعمل مع الوزارة الوصية على حل المشكل نهائيا من خلال إنشاء محطة تصفية جديدة. وكما قلت لكم سابقا، فإن عام 2020 سيكون العام الذي سنتخلص فيه نهائيا من هذا النوع من المشاكل.
❊ في سياق حديثنا عن الوديان وأسباب تلوثها وقفنا خلال تفقدنا العديد منها على مستوى العاصمة، بومرداس وتيبازة، أنها تعاني من مشاكل كثيرة منها النفايات المنزلية والصناعية المتراكمة على ضفافها، وهذا من دون شك يؤثر سلبا على عمليات تطهير بعض الأودية الكبيرة كواد الحراش مثلا، مما يجرنا الحديث عن دور المواطنين في ذلك؟
❊❊ لعلمكم فإن الوديان مصنفة ضمن المناطق الرطبة، وتطهيرها يتطلب إمكانات كبيرة ومساهمة جميع الأطراف المعنيين خاصة الجماعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، التي تلعب دورا كبيرا في تحسيس المواطنين بضرورة الحفاظ على نظافة بيئتهم.
الكثير من النفايات المترامية على ضفاف الوديان وفي أحواضها هي نفايات منزلية، وهذا يعني أن المطلوب من المواطن الجزائري اليوم أن يساهم في حماية بيئته من التلوث ودعم جهود الدولة في ذلك.
لقد أطلقت الحكومة الجزائرية عام 2012 مشروع تهيئة واد الحراش، وهو مشروع كبير وضخم سيعود بالرفاهية والسعادة على المواطن الجزائري، ويقضي بالتالي على هذه البؤرة السوداء في وسط الساحل الجزائري. كما أن هناك جهودا يتم بذلها من أجل حماية واد مزافران الذي تم، كما سبق وأن قلت، تصنيفه كمحمية وطنية بقرار من الوالي. وقد أعطى والي تيبازة تعليمات صارمة لكل المعنيين بضرورة حماية موارده البيولوجية والحفاظ عليها.
❊ هناك مشكل آخر يتسبب في تلويث الساحل ويشوه مناظره الخلابة يتعلق الأمر بالبنايات غير المرخصة التي شيدت على ضفاف الساحل،كيف تتعاملون مع ذلك؟
❊❊ لعلمكم فإن من مهام المحافظة الوطنية للساحل المراقبة والوقوف على التجاوزات التي تحصل في هذا المجال. هناك الكثير من الخروقات التي حصلت. ودورنا يتمثل في إشعار الجماعات المحلية بهذه التجاوزات، وهي المخول لها اتخاذ التدابير اللازمة المتمثلة في هدم هذه البنايات.
وفي هذا السياق،أؤكد لكم أن الكثير من قرارات التهديم قد تم اتخاذها وتنفيذها بفضل تجاوب بعض الولاة مع توصياتنا، وهناك بعض القرارات التي ننتظر تنفيذها.
❊ من بين العراقيل التي تواجه تطور قطاع البيئة في بلادنا نقص التنسيق بين الفاعلين فيه، وهذا من دون شك يضعف الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة في ذلك، هل تشاطر هذا الرأي؟
❊❊ نعم، ذلك صحيح؛ فقطاع البيئة في الجزائر يشكو نقص التنسيق بين الأطراف الفاعلة فيه، وهذا، كما ذكرت، يقوض الجهود المبذولة في الحفاظ عليها، ولذلك فقد حرصنا على إقامة شراكة قوية بين كل الفاعلين في مجال تخصصنا والرفع من درجة التنسيق بينهم؛ من خلال إبرام عدة اتفاقيات مع مختلف مراكز البحث العلمي وجمعيات المجتمع الدولي وحتى الجامعات؛ حيث تعاقدنا مثلا مع جامعة مولود معمري بولاية تيزي وزو للاستفادة من الباحثين في المجال البيئي والجمعية الإيكولوجية البحرية «برباروس» بوهران والمركز الوطني لتطوير الموارد البيولوجية، وفي المجموع أبرمنا سبع اتفاقيات وطنية، ستساهم من دون شك، في تقوية جهود الحفاظ على الساحل.
❊ للتغيرات المناخية تأثير سلبي كبير على الساحل ومياهه، هل هناك إجراءات اتخذت للتقليل من تأثير هذه الظاهرة؟
❊❊ طبعا هناك الكثير من الإجراءات، وقانون الساحل يحمل في طياته العديد من الإجراءات الوقائية، وأهمها خلق نوافذ خضراء من خلال ترك مساحات لا تقل مسافتها عن 5 كلم بين كل مجمع سكاني جديد وآخر، على أن يُمنع تشييد مجمعات سكانية تتجاوز مسافتها ثلاث كلم، وهذه النوافذ الخضراء تساهم في التخفيف من تأثير التغيرات المناخية.
هناك الكثير من الإجراءات التي أقرها قانون الساحل، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تُعتبر من بين البلدان الرائدة التي تبذل جهودا كبيرة في مجال حماية بيئتها الساحلية بصفة خاصة والبيئة بصفة عامة، وذلك منذ اعتلاء فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم ونتائج ذلك ملموسة على أرض الواقع، والمستقبل واعد.